((سقوط ثقافة و ليس سقوط مثقف))
كثيرة هي الثقافات وهي متعددة بتعدد البشر في ألوانهم و إشكالهم و ألسنتهم و معتقداتهم و أذواقهم فالثقافة ليست شكلا جامدا أو لونا معينا ليس لها لون اوطعم أو رائحة واحدة تحتم على حامل أوصاف محددة إنها ليست كذلك قطعا
وهي كغيرها من المفردات التي اختلف بنو البشر في تعريفها -وما أكثر ما اختلفوا فيه- وان كانت تطلق عموما على من عرف شيئا من كل شيء سواء اختص بشيء أم لم يختص, لكنها تبقى تأخذ شكل الإناء الذي يحتويها فكثيرا ما نسمع عن ثقافة الاستبداد وثقافة القتل وثقافة الدجل وثقافة الجمود وبالمقابل هناك ثقافة الجد والعمل وثقافة الاحترام للأخر وثقافة التغيير-التي بدأت في العراق ولم تنته بمصر-على الأقل حاليا, فالأمر ليس محصورا على لون معين ولا توجد جامعة في العالم-على حد علمي- تمنح شهادة(مثقف)
إنها(الثقافة) لقب فضفاض ومفردة عائمة وأداة قياس مطاطية لا يمكن بها تحديد الأشياء بدقة.
والمثقف لقب ليس لأحد أن يدعيه لنفسه وان تصور ذلك في داخله, كما إن إطلاقه على الأخر لا يوجب الالتزام به من قبل الآخرين أيضا.
ومع ذلك لا مانع- قانونيا- على الأقل من إن يدعي هذا اللقب أي احد فهو متاح للجميع فعليه لا جدوى من سلخه عن أي احد.
العنتريات والتبجح بالعدم هي ثقافة وثقافة رائجة وسائدة ومحيطها يتسع ليبتلع امما وشعوبا والكثير يؤمن بثقافة كهذه والأكثر من يؤمن بوجودها .
والسؤال الذي يطرح عن دور المثقف وبعده عن الإحداث وانشغاله بنتاجه الخاص وبالشعارات التي يحملها وهل أن الأوان أن يتنحى جانبا أن لم تنحه الإحداث الجارية فعلا. هذه الأسئلة ومثيلاتها يجب أن يسبقها سؤال اكبر ,من هو المثقف ؟ وما هي الثقافة ؟ وأي ثقافة نعني ؟
للعرب ثقافة كما لغيرهم ,هي ظاهرة صوتية عند القصيمي والتغالب عند الوردي وغير ذلك عند غيرهما وكل يرى الإحداث من خلال عينيه ومنظاره فللحقيقة أكثر من وجه وللجسم أكثر من عضو وليس صحيحا سقوط ثقافة ما سقوط باقي الثقافات ,بل أن قانون التناوب هو السائد في المجتمع الإنساني ما أن تسقط ثقافة إلا وتحل محلها أخرى ورحيل مثقف يعني بالضرورة وجود أخر مكانه.
لكل امة ثقافة ولكل جيل ثقافة ولكل جغرافيا ثقافة ولكل حضارة ثقافات حين تبدأ وحين تسود وحين تزول وهناك تلازم قهري بين الحضارة والثقافة فاحدهما ينتج الأخر وهي متغيرة تغير بني البشر بل تغير الإنسان ذاته في مراحل عمره.أن من يقول على (المثقفين ) أن يرحلوا ا وان الشعوب أجبرتهم على الرحيل هو مثقف بثقافة ما أيضا. فشباب الفيس بوك والتويتر والانترنيت هم ينتمون إلى ثقافة معينة أيضا هم مثقفون. من قال أن المثقف يجب أن يكون افنديا ويلبس نظارات طبية ويحلق ذقنه!!!
الثقافة أمر معترف به إنسانيا إلا أن حدوده غير معترف بها و إذا ما صارت لها حدود لم تصبح ثقافة وأصبحت علما أو فنا. إننا اليوم نشهد سقوط ثقافة وليس سقوط مثقف أن فشل طبيب لا يعني فشل الطب وفشل المتدين كذلك يقتصر عليه باستثناء المثقف ففشله وسقوطه –أن صحت النسبة- يعني بالضرورة فشل وسقوط الثقافة التي يحملها فالمثقف الذي صدع رؤوسنا و الذي لم يبن له اثر في ما حصل بتونس ومصر هو بالأساس سقوط لثقافة التهريج والشعارات الرنانة وكيل النصائح والاتهامات والمؤامرة وغيرها. أن ما يجب أن نعلمه هو توصيف المثقف يجب أن يكون التالي (وهو رأيي لا ألزم بها أحدا أبدا ):
هو حلقة الوصل –أو من يملئ الفراغ- بين المختص والأمي-غير المختص- فهو فوق الأمي ودون المختص-علميا- لذلك فهي(الثقافة) متعددة تعدد الاختصاصات, فيحسبه الأمي على انه مختص ولا يراه المختص انه جاهل, يعرف ما يقول لمن يقول يعرف كيف يسال لكي يفهم من يريد الجواب والحقيقة التي يجب أن لا نغفلها هي أن المثقف هو من يحرك الساكن واو يسكن المتحرك شئنا ذلك أم أبينا , بان دوره أم لم يبن, وبروزه على السطح دلالة على غلبة ثقافة ما على ثقافة أخرى.
وليكن تساؤلنا التالي هل انتهى عصر ثقافة وبدأت ملامح أخرى, هل بإمكاننا الاستمرار على نهج ثقافة معينة وهل نستطيع بناء أسس جديدة لثقافة جديدة ؟ والسؤال الأخر هل بمقدورنا خلق ثقافة بعيدا عن استيراد ثقافات بالية متهرئة لم تعد تصلح للاستخدام البشري؟. و هل نكتفي بالتصفيق والزعيق (وهي ثقافة أيضا ) لجيل جديد أنتجته ثقافة جديدة تنتفض على الماضي وتغير أو تحاول التغيير؟.
وختاما أقول إذا أردت أن تصبح مثقفا فلا يعني ذلك أبدا أن الثقافة تعفي حاملها من المسئولية ,أي إنا مثقف إذن إنا مسئول .
محمد هاشم يوسف البطاط