بقلم محمد هاشم البطاط
ربما لا يروق للبعض الاكتفاء بشخصيته الحقيقية بل يذهب ابعد من ذلك بكثير وهو تحويل ملامحها الحقيقية الى صورة عامة تكتسب الشرعية من خلال إسباغ ما فيها على من ينزوي تحت كنفها بما فيها من فجوات ينبغي لها الترميم و الإصلاح فضلا عن تعميمها حتى تظهر اكثر وضوحا و بالطبع فانحرافاتها تبدو و كأنها تطغي على بعض الجوانب النيرة فيها .
لان الصحيح لا يحتاج جهدا لتقويمه لأنه صحيح بالأساس وبخلافه فالجهد المبذول لتصحيح الأخطاء يتناسب طرديا مع حجمها وعددها بالتالي نجد أننا نحتاج الى جهود جبارة لتصحيح التشوهات الهائلة في الشخصية ((المتحولة)),فحجم الأخطاء تضخم مع تضخم الشخصية الحقيقية هذه.
بل ليت الأمر وقف عند هذا الحال فالأخطاء ان تركت تتوالد,لذلك انعكست هذه الأخطاء –ونادرا ما تجد شخصية بدون أخطاء- على صورة الدولة بل اصبح من العسير تصحيحها لان الأخطاء استظلت بشخصية الفرد (النموذجي) ,وأضفت شرعية الأشخاص ,المشروعية للأخطاء.فاصبح من غير الممكن واللائق أحيانا ,الإشارة الى الخطأ على انه خطأ! وعندها ترمى جميع البوائق على كاهل المجتمع ويشار إليه دائما بالقصور ,فالخطأ في الدولة (( بجميع أجزائها )) يجب تحميله على جميع الأطراف, وبما ان القائد في – دولة الشخصية – مقدس ((ومن العسير تقديس الخطأ )) فاصبح من الواجب ان تتحمل القاعدة الشعبية أخطائها وأخطاء غيرها ,وهو مخرج لتبرئة القادة((المقدسين )) , فتنجو بذلك النخب بكل أشكالها ,ولكنها لا تنجي القاعدة من نتائج تلك الخطايا وتتحول الى كوارث يرزح تحتها شعب آمن طوعا او كرها بقدرة القائد على تخطي الصعاب والنهوض من جديد . وتتحول تطلعات الشعب الى حلم هائل يذهب به بعيدا في اللاممكن إذ لا تسعفه الوقائع على التحقيق.مما أدى الى ضمور الإرادة الشعبية وعدم فاعليتها تجاه التغيير وتحول النخب الموجهة الى قوى مطلقة لتسيير ما تراه ,ولم تكتف بذلك بل ربطت بصورة تدعو للسخرية بين الماضي والمستقبل او بمعنى آخر أوقفت حركة التاريخ عند نقطة معينة أخذت منها أسباب القوة و سحبت البساط من تحت الشعب فاصبح مدفوعا وراء حيثيات أوجدها بعض المستفيدين من انعطافات مرّت بتاريخ الأمة ,وأصبحت الظواهر الشاذة قواعد بنتها النخب –الحاكمة والموجهة – وأجبرت الآمة بالانصياع والقناعة المطلقة بها.
كثقافة النكبة او المظلومية مثلا,فالإيمان المطلق (بالمظلومية الممتدة) يحمل صاحبه على التمادي والطمع المفرط لإزاحة هذا الحمل الثقيل من الشعور فحتى لو أعطي ((الأقاليم السبعة)) فانه لا ينفك يجاهر بمظلوميته نعم وان كانت هناك ظلامة حدثت في زمن ما لكنها ليست بالضرورة مستمرة الى ما لانهاية فالظلم حالة ضرفية صرفة ,إذ لا يعقل ان يظلم الجميع في كل زمان ومكان وفي آن واحد. لكن المشكل يقع في كون هذا الشعور أضحى ((عقيدة )) والعقائد لا ترفع الا بعقائد تحل محلها.
والغريب ان النخب ((الحاكمة والموجهة )) أصبحت المستفيد الأكبر من عقيدة كهذه وحملّت الأمة عبأ المظلومية بينما هي تجني ثمارها اليانعة.ولا أتوجه بهذا الكلام الى النخب التي لا تريد رؤية التغيرات من خلال الشعب بل جعلت الأمة بكاملها تنظر الأحداث من خلالها فقط.فان آمنت بالتغيير آمن لشعب بدوره وإذا اصمت أذنيها وأغلقت أبصارها فالشعب كله صمّ بكم.اقول لا أتوجه إليهم وإنما الى الشعب المسير على هوى قادته اقول :ان ما تفرزه الأحداث هو(( حدث ))وليس سطرا مر في كتب التاريخ لذا وجب الالتفات إليه والاستتفاده منه فان من يقرر مصير الأمم هم أبنائها لان وبال القادة يقع على رؤوسهم فالمنافع يجب ان تدخل الى جيوبهم أيضا .أي ان معيار الانتماء هو المشاركة و((من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم )) فلا قيمة تبقى لمدعي الانتماء لمن كان يضحك فرحا وأهله من حزنهم في بكاء.
وهكذا تظهر وبجلاء تقلبات القائد(( الرمز )) على تضاريس الوطن رغبة او رهبة ومصير الوطن بأسره معلق بمزاج القائد ,فإذا نطق ((الموت لأمريكا ))مثلا صرخ الشعب عن بكرة أبيه ((الموت لأمريكا)) بسبب او بدون سبب لا لشيء غير ان القائد ((مقتنع ))بذلك. وكثيرا ما ترجعني هذه الهتافات التي تلقيها الجماهير انصياعا لقادتها ,ترجعني لأيام الطفولة عندما كانت هناك لعبة يقف فيها أحد الأولاد بمجموعة من أترابه ويصيح((سلمان يقول قوموا)) فيقوم الأولاد ثم يقول ((سلمان يقول اقعدوا)) فيقعدون.وهكذا دائما ينفذون ما يؤمرون.فيتفنن ((الناطق الرسمي باسم سلمان)) في الأوامر حتى يحصل الإرباك فيخرج من اللعبة من لم ينفذ الآمر بصورة صحيحة.وبالمناسبة لا أحد من الأولاد يعرف من هو سلمان ! وعندما يكبرون يلتبس عليهم الأمر اكثر فهل هو سليمان النبي ام سليمان القانوني((سلطان عثماني)) وبالمقابل ان كلا السليمانين لم يكن له رأي في ما يجري أساسا!!!
والأمر ذاته مع هؤلاء القادة فيأمرون الناس بما يقوله ((سلمان)) وما على الآمة الا تنفيذ أوامره, أي خلق ثقافة ((التلقين وتنفيذ الأوامر ))والشيء بالشيء يذكر فبعد سقوط النظام السابق أقيمت أول صلاة جمعة في حينها ومما قاله الشيخ في خطبتها : ان النظام البعثي كان يقول :نفذ ثم ناقش . ونحن نقول: نفذ ولا تناقش!!!! فكأنما يريد القول ان أوامره إلهية ولا سبيل لمناقشتها لان في ذلك تعدي على الله تعالى.
أي قضي الامر الذي فيه تستفتيان,ففي ذهنية دولة كهذه لا وجود للامة الا في محل ((الطاعة )) وما الجماهير الا ظل الزعيم الأوحد والزعيم بدوره ظل الله في الأرض , فان رقص الزعيم رقص ظله, وان لطم لطم ظله معه ,وان اخطأ فالأمة هي المخطئة ,الا اذا نجح((ونادرا ما ينجح)) فهو وحده لا شريك له في هذا النجاح فكأنما القائد هنا هو ((الإله))مع التخفيف إذ لا يحمد على مكروه سواه. ولا يظن البعض ان في الآمر مبالغة ,فالصادق الوحيد من الطغاة والزعامات (المنفردة) هو فرعون مصر لأنه أعلن صراحة ((دعوى الربوبية)) آما غيره من الجبابرة والقادة فيعملون عمل فرعون ويقولون قول موسى, بمعنى انهم يكذبون حين يدعون انهم في خدمة الشعب والواقع ان الشعب في خدمتهم! وربما كان بعضهم مقتنعا في ما يراه في نفسه من القدرة على ((خدمة الشعب )) او كان بادئ الأمر (حسن النية) لكن بعد طول مكوث على العرش تلاشت عنده حسن النوايا هذه. فقد يتشدق الكثير من هو خارج منظومة الحكم بالديمقراطية وحقوق الإنسان ووجوب احترام الراي الآخر وإرادة الشعب والى ما هنالك من الشعارات الرنانة ويرى كل ذلك من الحقائق التي لاتقبل التأويل ,فإذا تسنم سدة الحكم انقلب رأسا على عقب , فيرى ان شعبه ليس بمقدوره حكم نفسه بنفسه,لان غالبيتهم ((جهلة)) ويرى من العدل أيضا ان لا تأخذه في الحق لومة لائم فعليه لا توجد هنالك حقوق الإنسان وان كل ما يتشدق به سابقا مجرد هراء وعدم ((حنكة سياسية)) أما إرادة الشعب ,فالشعب عنده هو حاشيته ومن دار في فلكه فقط.وإرادتهم لا غبار عليها.فقليلا من المكياج على وجه النظام الهرم يكفي لتحسين الصورة وإيهاما بالمشروعية وتصفية لرجاله واركان نظامه يعتبره جلدا للذات ومراجعة لمسيرته الحافلة بالمصائب والكوارث!
أي ان السلطة مضامير الرجال فلا يحكم على أي جهة لم تمارس الحكم فعليا.فدائما قبل الحكم شئ وبعده شيا آخر.آما الانتخابات فحدث عنها ولا حرج كل أمم الأرض توجد لديها صناديق اقتراع تأتى دائما بنفس الحكومات… أليست مصادفة عجيبة!!!
كما هو الحال في جامعتنا العربية المجيدة ,فهي الجامعة الوحيدة في العالم – على حد علمي- التي لا تقبل في صفوفها الا معدلات 99,99%او 100%!!!!!
وكما يقال ان الكفر ملة واحدة فكذلك النظم الشمولية او((دول الشخصيات)) على نسق واحد فمنصب الرئيس او الزعيم او القائد حكرا على من يجلس عليه ولا يجوز بآي حال من الأحوال المساس بالرجل وليس بالمنصب (فمقولة الناس على دين ملوكها) غير قابلة للصدأ في دولة الشخصية وهي راسخة رسوخ الجبال في الذهن الجمعي للامة لا تؤثر فيها إطلاقا نسمات التغيير الديمقراطي إذ يتطلب هذا التغيير ليس رؤوس النظام بقدر ما هي عملية إصلاح ذهني واسع وشامل يطال حتى بعض الثوابت القهرية واللاإرادية لهذه المجتمعات التي طالما حكمت بمشروع الرجل الواحد او الاتجاه الواحد والتي تعفي بدورها النخب من كل تبعات فشلها في إدارة الدولة وربما حان الوقت لتبادل الأدوار والمشاركة بالمسؤولية ولتطغى شخصية المجتمع بما فيه من تباين واختلاف على صورة الدولة شئنا ام أبينا .فمئات السنين التي مرت والتي حملت إرثا ثقيلا من توارث السلطة وآن ان ترسم ملامح الأمة((المتعددة)) على ملامحها المصمتة–أي السلطة- إذ أتت بأغلبها ان لم تكن بأجمعها واحدة في الجوهر وان اختلفت في المظهر.
فالاتكاء على صندوق الانتخاب يأتي ( تأكيدا للشرعية )) وليس لشرعية النظام بالأساس, لأنها ((أي الشرعية)) آتت من نصوص لم يستشر عند وضعها الناخبين سواء في النظم الشمولية او غيرها بما فيها النظم الديمقراطية فالتشابه يكاد يكون كبيرا فمنظرا الديمقراطية لم يأذن لهم الشارع في صياغة الركائز الأساسية بل صاغوها وفقا لتصور العقل وتلاءمت مع متطلبات الشعوب وحقوقها.والأمر ذاته مع الدولة الدينية وان اتخذت من الصندوق عكازا تستند عليه فشرعيتها آتت عبر نصوص لا علاقة لها بالشارع من قريب او بعيد.لكن في النهج الديمقراطي اتت الشرعية من اقرار المجتمع بتلك الاسس ورفدها جيلا بعد جيل ايمانا وتطبيقا ,عكس النظم الاوتقراطية الحديثة والقديمة.اذ لاصوت يعلو فوق صوت النص, وان كان هذا النص هو في حقيقته فهماً للنص, وليس نصاً بذاته.وبالتالي تحول هذا الفهم الى مصاف المطلق ,بل اكثر قدسية في بعض الاحيان وعند البعض احيانا..